ماجاء في لبس الثوب الأحمر
حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي إسحاق سمع البراء رضي الله عنه يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعا وقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئا أحسن منه
قوله : ( عن أبي إسحاق ) هو السبيعي ( سمع البراء ) هو ابن عازب ، كذا قال أكثر أصحاب أبي إسحاق ، وخالفهما أشعث فقال : " عن أبي إسحاق عن جابر بن سمرة " أخرجه النسائي وأعله الترمذي وحسنه ، ونقل عن البخاري أنه قال : حديث أبي إسحاق عن البراء وعن جابر بن سمرة صحيحان وصححه الحاكم ، وقد تقدم حديث أبي جحيفة قريبا ، ويأتي وفيه " حلة حمراء " أيضا . ولأبي داود من حديث هلال بن عامر عن أبيه " رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب بمنى على بعير وعليه برد أحمر " وإسناده حسن ، وللطبراني بسند حسن عن طارق المحاربي نحوه لكن قال : " بسوق ذي المجاز " وتقدم في " باب التزعفر " ما يتعلق بالمعصفر ، فإن غالب ما يصبغ بالعصفر يكون أحمر ، وقد تلخص لنا من أقوال السلف في لبس الثوب الأحمر سبعة أقوال : الأول : الجواز مطلقا جاء عن علي وطلحة وعبد الله بن جعفر والبراء وغير واحد من الصحابة ، وعن سعيد بن المسيب والنخعي والشعبي وأبي قلابة وأبي وائل وطائفة من التابعين . القول الثاني : المنع مطلقا لما تقدم من حديث عبد الله بن عمرو وما نقله البيهقي وأخرج ابن ماجه من حديث ابن عمر " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المفدم " وهو بالفاء وتشديد الدال وهو المشبع بالعصفر فسره في الحديث ، وعن عمر أنه كان إذا رأى على الرجل ثوبا معصفرا جذبه وقال : دعوا هذا للنساء أخرجه الطبري . وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل الحسن الحمرة من زينة الشيطان والشيطان يحب الحمرة ، وصله أبو علي بن السكن وأبو محمد بن عدي ، ومن طريق البيهقي في " الشعب " من رواية أبي بكر الهذلي وهو ضعيف عن الحسن عن رافع بن يزيد الثقفي رفعه أن الشيطان يحب الحمرة ، وإياكم والحمرة ، وكل ثوب ذي شهرة وأخرجه ابن منده وأدخل في رواية له بين الحسن ورافع رجلا ، فالحديث ضعيف وبالغ الجوزقاني فقال إنه باطل ، وقد وقفت على كتاب الجوزقاني المذكور وترجمه " بالأباطيل " e]ص: 319 ] وهو بخط ابن الجوزي ، وقد تبعه على ما ذكر في أكثر كتابه في " الموضوعات " لكنه لم يوافقه على هذا الحديث فإنه ما ذكره في الموضوعات فأصاب ، وعن عبد الله بن عمرو قال : " مر على النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل وعليه ثوبان أحمران فسلم عليه فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - " أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والبزار وقال : لا نعلمه إلا بهذا الإسناد ، وفيه أبو يحيى القتات مختلف فيه ، وعن رافع بن خديج قال : " خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فرأى على رواحلنا أكسية فيها خطوط عهن حمر فقال : ألا أرى هذه الحمرة قد غلبتكم ، قال فقمنا سراعا فنزعناها حتى نفر بعض إبلنا " أخرجه أبو داود ، وفي سنده راو لم يسم ، وعن امرأة من بني أسد قالت : " كنت عند زينب أم المؤمنين ونحن نصبغ ثيابا لها بمغرة ، إذ طلع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما رأى المغرة رجع ، فلما رأت ذلك زينب غسلت ثيابها ووارت كل حمرة ، فجاء فدخل " أخرجه أبو داود وفي سنده ضعف . القول الثالث : يكره لبس الثوب المشبع بالحمرة دون ما كان صبغه خفيفا ، جاء ذلك عن عطاء وطاوس ومجاهد ، وكأن الحجة فيه حديث ابن عمر المذكور قريبا في المفدم . القول الرابع : يكره لبس الأحمر مطلقا لقصد الزينة والشهرة ، ويجوز في البيوت والمهنة ، جاء ذلك عن ابن عباس ، وقد تقدم قول مالك في باب التزعفر . القول الخامس : يجوز لبس ما كان صبغ غزله ثم نسج ، ويمنع ما صبغ بعد النسج ، جنح إلى ذلك الخطابي واحتج بأن الحلة الواردة في الأخبار الواردة في لبسه - صلى الله عليه وسلم - الحلة الحمراء إحدى حلل اليمن ، وكذلك البرد الأحمر ، وبرود اليمن يصبغ غزلها ثم ينسج . القول السادس : اختصاص النهي بما يصبغ بالمعصفر لورود النهي عنه ، ولا يمنع ما صبغ بغيره من الأصباغ ، ويعكر عليه حديث المغيرة المتقدم . القول السابع : تخصيص المنع بالثوب الذي يصبغ كله ; وأما ما فيه لون آخر غير الأحمر من بياض وسواد وغيرهما فلا ، وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة في الحلة الحمراء فإن الحلل اليمانية غالبا تكون ذات خطوط حمر وغيرها ، قال ابن القيم : كان بعض العلماء يلبس ثوبا مشبعا بالحمرة يزعم أنه يتبع السنة ، وهو غلط ، فإن الحلة الحمراء من برود اليمن والبرد لا يصبغ أحمر صرفا . كذا قال . وقال الطبري بعد أن ذكر غالب هذه الأقوال : الذي أراه جواز لبس الثياب المصبغة بكل لون ، إلا أني لا أحب لبس ما كان مشبعا بالحمرة ولا لبس الأحمر مطلقا ظاهرا فوق الثياب لكونه ليس من لباس أهل المروءة في زماننا فإن مراعاة زي الزمان من المروءة ما لم يكن إثما ، وفي مخالفة الزي ضرب من الشهرة ، وهذا يمكن أن يلخص منه قول ثامن . والتحقيق في هذا المقام أن النهي عن لبس الأحمر إن كان من أجل أنه لبس الكفار فالقول فيه كالقول في الميثرة الحمراء كما سيأتي ، وإن كان من أجل أنه زي النساء فهو راجع إلى الزجر عن التشبه بالنساء فيكون النهي عنه لا لذاته ، وإن كان من أجل الشهرة أو خرم المروءة فيمنع حيث يقع ذلك ، وإلا فيقوى ما ذهب إليه مالك من التفرقة بين المحافل والبيوت .
فتح الباري شرح صحيح البخاري
أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي إسحاق سمع البراء رضي الله عنه يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعا وقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئا أحسن منه
قوله : ( عن أبي إسحاق ) هو السبيعي ( سمع البراء ) هو ابن عازب ، كذا قال أكثر أصحاب أبي إسحاق ، وخالفهما أشعث فقال : " عن أبي إسحاق عن جابر بن سمرة " أخرجه النسائي وأعله الترمذي وحسنه ، ونقل عن البخاري أنه قال : حديث أبي إسحاق عن البراء وعن جابر بن سمرة صحيحان وصححه الحاكم ، وقد تقدم حديث أبي جحيفة قريبا ، ويأتي وفيه " حلة حمراء " أيضا . ولأبي داود من حديث هلال بن عامر عن أبيه " رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب بمنى على بعير وعليه برد أحمر " وإسناده حسن ، وللطبراني بسند حسن عن طارق المحاربي نحوه لكن قال : " بسوق ذي المجاز " وتقدم في " باب التزعفر " ما يتعلق بالمعصفر ، فإن غالب ما يصبغ بالعصفر يكون أحمر ، وقد تلخص لنا من أقوال السلف في لبس الثوب الأحمر سبعة أقوال : الأول : الجواز مطلقا جاء عن علي وطلحة وعبد الله بن جعفر والبراء وغير واحد من الصحابة ، وعن سعيد بن المسيب والنخعي والشعبي وأبي قلابة وأبي وائل وطائفة من التابعين . القول الثاني : المنع مطلقا لما تقدم من حديث عبد الله بن عمرو وما نقله البيهقي وأخرج ابن ماجه من حديث ابن عمر " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المفدم " وهو بالفاء وتشديد الدال وهو المشبع بالعصفر فسره في الحديث ، وعن عمر أنه كان إذا رأى على الرجل ثوبا معصفرا جذبه وقال : دعوا هذا للنساء أخرجه الطبري . وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل الحسن الحمرة من زينة الشيطان والشيطان يحب الحمرة ، وصله أبو علي بن السكن وأبو محمد بن عدي ، ومن طريق البيهقي في " الشعب " من رواية أبي بكر الهذلي وهو ضعيف عن الحسن عن رافع بن يزيد الثقفي رفعه أن الشيطان يحب الحمرة ، وإياكم والحمرة ، وكل ثوب ذي شهرة وأخرجه ابن منده وأدخل في رواية له بين الحسن ورافع رجلا ، فالحديث ضعيف وبالغ الجوزقاني فقال إنه باطل ، وقد وقفت على كتاب الجوزقاني المذكور وترجمه " بالأباطيل " e]ص: 319 ] وهو بخط ابن الجوزي ، وقد تبعه على ما ذكر في أكثر كتابه في " الموضوعات " لكنه لم يوافقه على هذا الحديث فإنه ما ذكره في الموضوعات فأصاب ، وعن عبد الله بن عمرو قال : " مر على النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل وعليه ثوبان أحمران فسلم عليه فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - " أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والبزار وقال : لا نعلمه إلا بهذا الإسناد ، وفيه أبو يحيى القتات مختلف فيه ، وعن رافع بن خديج قال : " خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فرأى على رواحلنا أكسية فيها خطوط عهن حمر فقال : ألا أرى هذه الحمرة قد غلبتكم ، قال فقمنا سراعا فنزعناها حتى نفر بعض إبلنا " أخرجه أبو داود ، وفي سنده راو لم يسم ، وعن امرأة من بني أسد قالت : " كنت عند زينب أم المؤمنين ونحن نصبغ ثيابا لها بمغرة ، إذ طلع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما رأى المغرة رجع ، فلما رأت ذلك زينب غسلت ثيابها ووارت كل حمرة ، فجاء فدخل " أخرجه أبو داود وفي سنده ضعف . القول الثالث : يكره لبس الثوب المشبع بالحمرة دون ما كان صبغه خفيفا ، جاء ذلك عن عطاء وطاوس ومجاهد ، وكأن الحجة فيه حديث ابن عمر المذكور قريبا في المفدم . القول الرابع : يكره لبس الأحمر مطلقا لقصد الزينة والشهرة ، ويجوز في البيوت والمهنة ، جاء ذلك عن ابن عباس ، وقد تقدم قول مالك في باب التزعفر . القول الخامس : يجوز لبس ما كان صبغ غزله ثم نسج ، ويمنع ما صبغ بعد النسج ، جنح إلى ذلك الخطابي واحتج بأن الحلة الواردة في الأخبار الواردة في لبسه - صلى الله عليه وسلم - الحلة الحمراء إحدى حلل اليمن ، وكذلك البرد الأحمر ، وبرود اليمن يصبغ غزلها ثم ينسج . القول السادس : اختصاص النهي بما يصبغ بالمعصفر لورود النهي عنه ، ولا يمنع ما صبغ بغيره من الأصباغ ، ويعكر عليه حديث المغيرة المتقدم . القول السابع : تخصيص المنع بالثوب الذي يصبغ كله ; وأما ما فيه لون آخر غير الأحمر من بياض وسواد وغيرهما فلا ، وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة في الحلة الحمراء فإن الحلل اليمانية غالبا تكون ذات خطوط حمر وغيرها ، قال ابن القيم : كان بعض العلماء يلبس ثوبا مشبعا بالحمرة يزعم أنه يتبع السنة ، وهو غلط ، فإن الحلة الحمراء من برود اليمن والبرد لا يصبغ أحمر صرفا . كذا قال . وقال الطبري بعد أن ذكر غالب هذه الأقوال : الذي أراه جواز لبس الثياب المصبغة بكل لون ، إلا أني لا أحب لبس ما كان مشبعا بالحمرة ولا لبس الأحمر مطلقا ظاهرا فوق الثياب لكونه ليس من لباس أهل المروءة في زماننا فإن مراعاة زي الزمان من المروءة ما لم يكن إثما ، وفي مخالفة الزي ضرب من الشهرة ، وهذا يمكن أن يلخص منه قول ثامن . والتحقيق في هذا المقام أن النهي عن لبس الأحمر إن كان من أجل أنه لبس الكفار فالقول فيه كالقول في الميثرة الحمراء كما سيأتي ، وإن كان من أجل أنه زي النساء فهو راجع إلى الزجر عن التشبه بالنساء فيكون النهي عنه لا لذاته ، وإن كان من أجل الشهرة أو خرم المروءة فيمنع حيث يقع ذلك ، وإلا فيقوى ما ذهب إليه مالك من التفرقة بين المحافل والبيوت .
فتح الباري شرح صحيح البخاري
أحمد بن علي بن حجر العسقلاني